كتاب: في ظلال القرآن (نسخة منقحة)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: في ظلال القرآن (نسخة منقحة)



{وكذلك أوحينا إليك قرآناً عربياً....}..
يعطف هذا الطرف من حقيقة الوحي على ذاك الطرف الذي بدأ به السورة. والمناسبة هنا بين تلك الأحرف المقطعة، وعربية القرآن، مناسبة ظاهرة. فهذه أحرفهم العربية، وهذا قرآنهم العربي. نزل الله به وحيه في هذه الصورة العربية، ليؤدي به الغاية المرسومة:
{لتنذر أم القرى ومن حولها}..
وأم القرى مكة المكرمة. المكرمة ببيت الله العتيق فيها. وقد اختار الله أن تكون هي وما حولها من القرى موضع هذه الرسالة الأخيرة؛ وأنزل القرآن بلغتها العربية لأمر يعلمه ويريده. و{الله أعلم حيث يجعل رسالته} وحين ننظر اليوم من وراء الحوادث واستقرائها، ومن وراء الظروف ومقتضياتها، وبعد ما سارت هذه الدعوة في الخط الذي سارت فيه، وأنتجت فيه نتاجها.. حين ننظر اليوم هذه النظرة ندرك طرفاً من حكمة الله في اختيار هذه البقعة من الأرض، في ذلك الوقت من الزمان، لتكون مقر الرسالة الأخيرة، التي جاءت للبشرية جميعاً. والتي تتضح عالميتها منذ أيامها الأولى.
كانت الأرض المعمورة عند مولد هذه الرسالة الأخيرة تكاد تتقسمها امبراطوريات أربع: الامبراطورية الرومانية في أوربا وطرف من آسيا وإفريقية. والامبراطورية الفارسية وتمد سلطانها على قسم كبير من آسيا وإفريقية. والامبراطورية الهندية. ثم الامبراطورية الصينية. وتكادان تكونان مغلقتين على أنفسهما ومعزولتين بعقائدهما واتصالاتهما السياسية وغيرها وهذه العزلة كانت تجعل الامبراطوريتين الأوليين هما ذواتا الأثر الحقيقي في الحياة البشرية وتطوراتها.
وكانت الديانتان السماويتان قبل الإسلام اليهودية والنصرانية قد انتهتا إلى أن تقعا في صورة من الصور تحت نفوذ هاتين الامبراطوريتين، حيث تسيطر عليهما الدولة في الحقيقة، ولا تسيطران على الدولة! فضلا على ما أصابهما من انحراف وفساد.
ولقد وقعت اليهودية فريسة لاضطهاد الرومان تارة، ولاضطهاد الفرس تارة، ولم تعد تسيطر في هذه الأرض على شيء يذكر على كل حال؛ وانتهت بسبب عوامل شتى إلى أن تكون ديانة مغلقة على بني إسرائيل، لا مطمع لها ولا رغبة في أن تضم تحت جناحها شعوبا أخرى.
وأما المسيحية فقد ولدت في ظل الدولة الرومانية. التي كانت تسيطر حين الميلاد على فلسطين وسورية ومصر وبقية المناطق التي انتشرت فيها المسيحية سرا؛ وهي تتخفى من مطاردة الامبراطورية الرومانية التي اضطهدت العقيدة الجديدة اضطهاداً فظيعاً، تخللته مذابح شملت عشرات الألوف في قسوة ظاهرة.
فلما انقضى عهد الاضطهاد الروماني، ودخل الامبراطور الروماني في المسيحية، دخلت معه أساطير الرومان الوثنية، ومباحث الفلسفة الإغريقية الوثنية كذلك؛ وطبعت المسيحية بطابع غريب عليها؛ فلم تعد هي المسيحية السماوية الأولى. كما أن الدولة ظلت في طبيعتها لا تتأثر كثيراً بالديانة؛ وظلت هي المهيمنة، ولم تهيمن العقيدة عليها أصلا. وذلك كله فضلاً على ما انتهت إليه المذاهب المسيحية المتعددة من تطاحن شامل فيما بينها مزق الكنيسة، وكاد يمزق الدولة كلها تمزيقاً. وأوقع في الاضطهاد البشع المخالفين للمذهب الرسمي للدولة. وهؤلاء وهؤلاء كانوا في الانحراف عن حقيقة المسيحية سواء!
وفي هذا الوقت جاء الإسلام. جاء لينقذ البشرية كلها مما انتهت إليه من انحلال وفساد واضطهاد وجاهلية عمياء في كل مكان معمور. وجاء ليهيمن على حياة البشرية ويقودها في الطريق إلى الله على هدى وعلى نور. ولم يكن هنالك بد من أن يسيطر الإسلام لتحقيق هذه النقلة الضخمة في حياة البشر. فلم يكن هنالك بد من أن يبدأ رحلته من أرض حرة لا سلطان فيها لامبراطورية من تلك الامبراطوريات؛ وأن ينشأ قبل ذلك نشأة حرة لا تسيطر عليه فيها قوة خارجة على طبيعته؛ بل يكون فيها هو المسيطر على نفسه وعلى من حوله. وكانت الجزيرة العربية، وأم القرى وما حولها بالذات، هي أصلح مكان على وجه الأرض لنشأة الإسلام يومئذ، وأصلح نقطة يبدأ منها رحلته العالمية التي جاء من أجلها منذ اللحظة الأولى.
لم تكن هناك حكومة منظمة ذات قوانين وتشريعات وجيوش وشرطة وسلطان شامل في الجزيرة. تقف للعقيدة الجديدة. بسلطانها المنظم، وتخضع لها الجماهير خضوعا دقيقاً، كما هو الحال في الامبراطوريات الأربع.
ولم تكن هنالك ديانة ثابتة كذلك ذات معالم واضحة؛ فقد كانت الوثنية الجاهلية ممزقة، ومعتقداتها وعباداتها شتى. وكان للعرب آلهة شتى من الملائكة والجن والكواكب والأصنام. ومع أنه كان للكعبة وقريش سلطان ديني عام في الجزيرة، فإنه لم يكن ذلك السلطان المحكم الذي يقف وقفة حقيقية في وجه الدين الجديد. ولولا المصالح الاقتصادية والأوضاع الخاصة لرؤساء قريش ما وقفوا هذه الوقفة في وجه الإسلام. فقد كانوا يدركون ما في عقائدهم من خلخلة واضطراب.
وكانت خلخلة النظام السياسي للجزيرة إلى جانب خلخلة النظام الديني، أفضل ظرف يقوم فيه دين جديد، متحرراً من كل سلطان عليه في نشأته، خارج عن طبيعته.
وفي وسط هذه الخلخلة كان للأوضاع الاجتماعية في الجزيرة قيمتها كذلك في حماية نشأة الدعوة الجديدة. كان النظام القبلي هو السائد. وكان للعشيرة وزنها في هذا النظام. فلما قام محمد صلى الله عليه وسلم بدعوته وجد من سيوف بني هاشم حماية له؛ ووجد من التوازن القبلي فرصة، لأن العشائر كانت تشفق من إثارة حرب على بني هاشم بسبب حمايتهم لمحمد صلى الله عليه وسلم وهم على غير دينه.
بل إنها كانت تشفق من الاعتداء على كل من له عصبية من القلائل الذين أسلموا في أول الدعوة، وتدع تأديبه أو تعذيبه لأهله أنفسهم. والموالي الذين عذبوا لإسلامهم عذبهم سادتهم. ومن ثم كان أبو بكر رضي الله عنه يشتري هؤلاء الموالي ويعتقهم، فيمتنع تعذيبهم بهذا الإجراء، وتمتنع فتنتهم عن دينهم.. ولا يخفى ما في هذا الوضع من ميزة بالقياس إلى نشأة الدين الجديد.
ثم كانت هنالك صفات الشعب العربي نفسه من الشجاعة والأريحية والنخوة. وهي استعدادات ضرورية لحمل العقيدة الجديدة والنهوض بتكاليفها.
وقد كانت الجزيرة في ذلك الزمان تزخر بحضانة عميقة لبذور نهضة؛ وكانت تجيش بكفايات واستعدادات وشخصيات تتهيأ لهذه النهضة المذخورة لها في ضمير الغيب؛ وكانت قد حفلت بتجارب إنسانية معينة من رحلاتها إلى أطراف امبراطوريتي كسرى وقيصر. وأشهرها رحلة الشتاء إلى الجنوب ورحلة الصيف إلى الشمال. المذكورتان في القرآن في قوله تعالى: {لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف} وتضافرت أسباب كثيرة لحشد رصيد ضخم من التجارب مع التفتح والتأهب لاستقبال المهمة الضخمة التي اختيرت لها الجزيرة. فلما جاءها الإسلام استغل هذا الرصيد كله، ووجه هذه الطاقة المختزنة، التي كانت تتهيأ كنوزها للتفتح؛ ففتحها الله بمفتاح الإسلام. وجعلها رصيداً له وذخراً. ولعل هذا بعض ما يفسر لنا وجود هذا الحشد من الرجال العظام في الصحابة في الجيل الأول في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم من أمثال: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي. وحمزة والعباس وأبي عبيدة. وسعد ابن أبي وقاص وخالد بن الوليد وسعد بن معاذ، وأبي أيوب الأنصاري وغيرهم وغيرهم من تلك العصبة التي تلقت الإسلام؛ فتفتحت له، وحملته، وكبرت به من غير شك وصلحت؛ ولكنها كانت تحمل البذرة الصالحة للنمو والتمام.
وليس هنا مكان التفصيل في وصف استعداد الجزيرة لحمل الرسالة الجديدة، وصيانة نشأتها، وتمكينها من الهيمنة على ذاتها وعلى من حولها، مما يشير إلى بعض أسباب اختيارها لتكون مهد العقيدة الجديدة، التي جاءت للبشرية جميعها. وإلى اختيار هذا البيت بالذات ليكون منه حامل هذه الرسالة صلى الله عليه وسلم فذلك أمر يطول. ومكانه رسالة خاصة مستقلة. وحسبنا هذه الإشارة إلى حكمة الله المكنونة، التي يظهر التدبر والتفكر بعض أطرافها كلما اتسعت تجارب البشر وإدراكهم لسنن الحياة.
وهكذا جاء هذا القرآن عربياً لينذر أم القرى ومن حولها. فلما خرجت الجزيرة من الجاهلية إلى الإسلام، وخلصت كلها للإسلام، حملت الراية وشرقت بها وغربت؛ وقدمت الرسالة الجديدة والنظام الإنساني الذي قام على أساسها، للبشرية جميعها كما هي طبيعة هذه الرسالة وكان الذين حملوها هم أصلح خلق الله لحملها ونقلها؛ وقد خرجوا بها من أصلح مكان في الأرض لميلادها ونشأتها.
وليس من المصادفات أن يعيش الرسول صلى الله عليه وسلم حتى تخلص الجزيرة العربية للإسلام؛ ويتمحض هذا المهد للعقيدة التي اختير لها على علم. كما اختير لها اللسان الذي يصلح لحملها إلى أقطار الأرض جميعا. فقد كانت اللغة العربية بلغت نضجها وأصبحت صالحة لحمل هذه الدعوة والسير بها في أقطار الأرض. ولو كانت لغة ميتة أو ناقصة التكوين الطبيعي ما صلحت لحمل هذه الدعوة أولاً، وما صلحت بالذات لنقلها إلى خارج الجزيرة العربية ثانياً.. وقد كانت اللغة، كأصحابها، كبيئتها، أصلح ما تكون لهذا الحدث الكوني العظيم.
وهكذا تبدو سلسلة طويلة من الموافقات المختارة لهذه الرسالة، حيثما وجه الباحث نظره إلى تدبر حكمة الله واختياره ومصداق قوله: {الله أعلم حيث يجعل رسالته} {لتنذر أم القرى ومن حولها وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه فريق في الجنة وفريق في السعير}..
وقد كان الإنذار الأكبر والأشد والأكثر تكراراً في القرآن هو الإنذار بيوم الجمع. يوم الحشر. يوم يجمع الله ما تفرق من الخلائق على مدار الأزمنة واختلاف الأمكنة، ليفرقهم من جديد: {فريق في الجنة وفريق في السعير}. بحسب عملهم في دار العمل، في هذه الأرض، في فترة الحياة الدينا.
{ولو شاء الله لجعلهم أمة واحدة ولكن يدخل من يشاء في رحمته والظالمون ما لهم من ولي ولا نصير}..
فلو شاء الله لخلق البشر خلقة أخرى توحد سلوكهم، فتوحد مصيرهم، إما إلى جنة وإما إلى نار. ولكنه سبحانه خلق هذا الإنسان لوظيفة. خلقه للخلافة في هذه الأرض. وجعل من مقتضيات هذه الخلافة، على النحو الذي أرادها، أن تكون للإنسان استعدادات خاصة بجنسه، تفرقه عن الملائكة وعن الشياطين، وعن غيرهما من خلق الله ذوي الطبيعة المفردة الموحدة الاتجاه. استعدادات يجنح بها ومعها فريق إلى الهدى والنور والعمل الصالح؛ ويجنح بها ومعها فريق إلى الضلال والظلام والعمل السيِّئ كل منهما يسلك وفق أحد الاحتمالات الممكنة في طبيعة تكوين هذا المخلوق البشري؛ وينتهي إلى النهاية المقررة لهذا السلوك: {فريق في الجنة وفريق في السعير}.. وهكذا: {يدخل من يشاء في رحمته والظالمون ما لهم من ولي ولا نصير}.. وفق ما يعلمه الله من حال هذا الفريق وذاك، واستحقاقه للرحمة بالهداية أو استحقاقه للعذاب بالضلال.
ولقد سبق أن بعضهم يتخذ من دون الله أولياء. فهو يقرر هنا أن الظالمين: {ما لهم من ولي ولا نصير}.. فأولياؤهم الذين يتخذونهم لا حقيقة لهم إذن ولا وجود.
ثم يعود فيسأل في استنكار:
{أم اتخذوا من دونه أولياء}..
ليقرر بعد هذا الاستنكار أن الله وحده هو الولي، وأنه هو القادر تتجلى قدرته في إحياء الموتى. العمل الذي تظهر فيه القدرة المفردة بأجلى مظاهرها:
{فالله هو الولي وهو يحيي الموتى}..
ثم يعمم مجال القدرة ويبرز حقيقتها الشاملة لكل شيء والتي لا تنحصر في حدود:
{وهو على كل شيء قدير}..
ثم يعود إلى الحقيقة الأولى، لبيان الجهة التي يرجع إليها عند كل اختلاف. وهي هذا الوحي الذي جاء من عند الله يتضمن حكم الله كي لا يكون للهوى المتقلب أثر في الحياة بعد ذلك المنهج الإلهي القويم:
{وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله ذلكم الله ربي عليه توكلت وإليه أنيب فاطر السماوات والأرض جعل لكم من أنفسكم أزواجاً ومن الأنعام أزواجا يذرؤكم فيه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير له مقاليد السماوات والأرض يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه بكل شيء عليم}..
وطريقة إيراد هذه الحقائق وتسلسلها وتجمعها في هذه الفقرة طريقة عجيبة، تستحق التدبر. فالترابط الخفي والظاهر بين أجزائها ترابط لطيف دقيق.
إنه يرد كل اختلاف يقع بين الناس إلى الله: {وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله}.. والله أنزل حكمه القاطع في هذا القرآن؛ وقال قوله الفصل في أمر الدنيا والآخرة؛ وأقام للناس المنهج الذي اختاره لهم في حياتهم الفردية والجماعية، وفي نظام حياتهم ومعاشهم وحكمهم وسياستهم، وأخلاقهم وسلوكهم. وبيّن لهم هذا كله بياناً شافيا. وجعل هذا القرآن دستوراً شاملاً لحياة البشر، أوسع من دساتير الحكم وأشمل. فإذا اختلفوا في أمر أو اتجاه فحكم الله فيه حاضر في هذا الوحي الذي أوحاه إلى رسوله صلى الله عليه وسلم لتقوم الحياة على أساسه.
وعقب تقرير هذه الحقيقة يحكي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلما أمره كله لله، منيباً إلى ربه بكليته:
{ذلكم الله ربي عليه توكلت وإليه أنيب}..
فتجيء هذه الإنابة، وذاك التوكل، وذلك الإقرار بلسان رسول الله صلى الله عليه وسلم في موضعها النفسي المناسب للتعقيب على تلك الحقيقة.. فها هو ذا رسول الله ونبيه يشهد أن الله هو ربه، وأنه يتوكل عليه وحده، وأنه ينيب إليه دون سواه. فكيف يتحاكم الناس إذن إلى غيره عند اختلافهم في شيء من الأمر، والنبي المهدي لا يتحاكم إلا إليه، وهو أولى من يتحاكم الناس إلى قوله الفصل، لا يتلفتون عنه لحظة هنا أو هناك؟ وكيف يتجهون في أمر من أمورهم وجهة أخرى، والنبي المهدي يتوكل على الله وحده، وينيب إليه وحده، بما أنه هو ربه ومتولي أمره وكافله وموجهه إلى حيث يختار؟
واستقرار هذه الحقيقة في ضمير المؤمن ينير له الطريق ويحدد معالمه، فلا يتلفت هنا أو هناك.
ويسكب فيه الطمأنينة إلى طريقه، والثقة بمواقع خطواته، فلا يتشكك ولا يتردد ولا يحتار. ويشعره أن الله راعيه وحاميه ومسدد خطاه في هذا الاتجاه. والنبي المهدي سالك هذا الطريق إلى الله.
واستقرار هذه الحقيقة في ضمير المؤمن يرفع من شعوره بمنهجه وطريقه، فلا يجد أن هناك منهجاً آخر أو طريقاً يصح أن يتلفت إليه؛ ولا يجد أن هنالك حكما غير قول الله وحكمه يرجع عند الاختلاف إليه. والنبي المهدي ينيب إلى ربه الذي شرع هذا المنهج وحكم هذا الحكم.
ثم يعقب مرة أخرى بما يزيد هذه الحقيقة استقراراً وتمكيناً:
{فاطر السماوات والأرض جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن الأنعام أزواجا يذرؤكم فيه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}..
فالله منزل ذلك القرآن ليكون حكمه الفصل فيما يختلفون فيه من شيء.. هو {فاطر السماوات والأرض}.. وهو مدبر السماوات والأرض. والناموس الذي يحكم السماء والأرض هو حكمه الفصل في كل ما يختص بهما من أمر. وشؤون الحياة والعباد إن هي إلا طرف من أمر السماوات والأرض؛ فحكمه فيها هو الحكم الذي ينسق بين حياة العباد وحياة هذا الكون العريض، ليعيشوا في سلام مع الكون الذي يحيط بهم، والذي يحكم الله في أمره بلا شريك.